بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 20 أكتوبر 2017

جبل أُسيس في سوريا

يقع جبل أسيس/ سيس، ضمن إقليم الحماد السوري على الصبة البركانية، إلى الشرق من الهيجانة، وهو يشكل في الشمال، جزءاً من جبل حوران «منطقة اللجا»، وإلى الشرق توجد الصحراء البركانية وتسمى الصفا. وتدعوه العامة بجبل سايس أو أسيس، وقد اكتشف هذا الاسم على نص منقوش على صخرة بازلتية، يعود إلى العصر الأموي، وهو محفوظ الآن في المتحف الوطني بدمشق.
يتبع الموقع إدارياً لمدينة دوما، ويبعد عن دمشق نحو 105كم بشكل خط مستقيم باتجاه الجنوب الشرقي، ونحو 180 كم عبر طريق دمشق بغداد «يتفرع عنه جنوباً عند موقع البطميات والسبع بيار». كما يشكل الموقع أيضاً مفترقاً لطرق الصحراء ومنها طريق التنف ـ بغداد، والطريق الذي يتجه جنوباً إلى الزلف والنمارة, وطريق الضمير.
يشكل جبل سيس نتيجة النشاط البركاني حيث ارتفعت كتلة مشكلة بركاناً نموذجياً ذو فوهة واسعة يزيد قطرها عن 500م وعمقها عن 40 متر. لكن البركان تعرض للنشاط في مرات متتالية والدليل وجود مقذوفات بركانية ذات أعمار وقساوة ولون مختلف, ويبدو أن البركان تعرض في آخر نشاط له لانفجار ضخم أودى بالمسلة «الكالديرا» التي تحتل بالعادة فوهة البركان. وتبقى كشاهد على النشاط الأخير.

ونتيجة الانفجار فقد تناثرت مكونات المسلة على السفوح الداخلية للبركان والسفوح الخارجية له المشرفة على الخبرة الواقعة جنوبه وشرقه، وتهشمت فتحة البركان في الجهة الشمالية الغربية، كما تعرضت المنطقة الجنوبية والشرقية للخفس والانكسار حيث تشكل صدع هلالي الشكل يحيط بالبركان من الجهتين المذكورتين.

تشكلت بين الصدع ونهاية سفوح البركان الخارجية من الجهتين الجنوبية والشرقية خبرة سيس التي نشأ بفضلها مركز حضاري مهم، حيث استطاعت مياه الخبرة «تقدر كمية المياه التي تتجمع سنوياً فيها بـ 6 مليون م3», أن تمد الموقع بما يحتاجه من مياه، لا سيما وأن منطقة الحماد من أكثر مناطق سورية جفافاً «أقل من 115مم سنوياً»، وتشهد درجات الحرارة فيها فروقات كبيرة.

وتشغل الخبرة الجزء المنخفض من المنطقة الواقعة بين حدود الانكسار الخارجي وبداية السفوح الشرقية لجسم البركان، وقد كانت أعمق مما هي عليه الآن ولكنها امتلأت بالرسوبيات والطمي والغبار والرمال المنقولة عبر المسيلات أو بالرياح، يتوقف ماؤها على الأمطار الهاطلة في الشتاء ويتبخر معظمه في أشهر الصيف، يصل ارتفاع منسوب المياه في الشتاء لحوالي 2م, لكن يبدو أن مستوى البحيرة ازداد متراً ونصف المتر منذ إنشاء القصر.
تستثمر المياه بطريقتين، التغذية السطحية المباشرة من الخبرة، أو من الآبار التي تم حفرها وتتوزع في منطقة الآثار وبطن المسيل المائي وأغلبها ذو شكل دائري يصل قطره بين 1- 1,5م تتغذى الآبار عن طريق الرشح الداخلي.


تاريخ الموقع
أورد ياقوت الحموي في معجمه ذكراً، هو الأقدم، لجبل أسيس، فوصفه بأنه مقام للوليد بن عبد الملك الذي حكم من86- 96هـ/ 705- 715م.

الأعمال الأثرية:
عملت في الموقع بعثة ألمانية سنة 1962 ترأسها كلاوس بريش Klaus Brish، بتمويل من جمعية البحث العلمي الألمانية، استمر العمل من نيسان إلى حزيران. وقد تبين لها أن آثار جبل أسيس من أهم المواقع التي تمثل العمارة الأموية الصحراوية والتي ما زالت محفوظة حتى الآن، وقد توزعت الأبنية العمرانية حول البحيرة فالقسم المهم و الأعرض يضم القصر والحمام والجامع، وتنتشر على يمين المسيل المائي الغربي، بينه وبين الصدع. وقد تم الاستفادة من الصدع كمقلع للحجارة اللازمة للبناء، والقسم الأصغر ويقع في الشمال عند السفح الجنوبي لفوهة البركان، حيث تتلاصق البيوت الصغيرة الأبعاد، ذات المداخل الواسعة ولازالت بقايا بعض الأقواس البازلتية والسواكف موجودة. ويوجد إلى الشرق منها بقايا طريقين استخدما لجلب الحجارة البازلتية القاسية من سفح الجبل البركاني.


القصر:

يُعدُّ القصر أهم منشأة معمارية في موقع أسيس، ومن أقدم قصور الأمويين في الصحراء، وهو يضم أول مسجد وحمام، وهو من أقدم الحمامات الإسلامية، الواقعة خارج المدن وكذلك من أقدم الأبنية الإسلامية التي استخدم فيها التزيين بالجص ويمتد القصر وملحقاته، المكوّنة من المسجد والحمام والإسطبلات، على حافة الخبرة بطول 300م.
والقصر ذو مخطط مربع تقريباً، طول ضلعه 67,53م، ما عدا الضلع الجنوبي، فهو أضيق بما يقارب المتر 66.53م. له أبراج بارزة للخارج في الزوايا، وفي وسط الواجهات، وهي ذات شكل أسطواني «نصف دائري» في الزوايا الأربع، قطرها نحو 8,40م، ونصف أسطواني في الجوانب، وقطرها نحو 6,5م.

يتألف برج الواجهة الشمالية من طابقين مقببين بالآجر، قطره 9,17م، يتخلله مدخل يبلغ عرضه نحو 275سم وارتفاعه 350سم ، يليه ممر, مقبب ومثقوب، طوله نحو 6م، يصل المدخل بفناء القصر. في الزاوية الجنوبية الشرقية للممر ثمة بناء منفصل مؤلف من عدة غرف مبنية من الآجر، ربما كانت مخصصةً لإقامة الحراس، وهذا يدل على فصل القصر لقسمين عام وخاص.
بنيت جدران القصر من الحجر البازلتي المقصب، وأعيد استخدام حجارة أخرى منحوتة، تم إحضارها من أبنية تعود إلى العصور الكلاسيكية الأقدم، وهذا ما يظهر واضحاً من خلال تيجان وأجزاء الأعمدة التي نقش على بعضها أحياناً حروف وأسماء يونانية، مع وجود تيجان أكثر بساطة، صنعت خلال فترة إشادة المبنى.

بلغت سماكة الجدران الخارجية 2,10سم. فيما استخدم اللبن في بناء الأجزاء العليا من بعض الجدران، واستخدم الآجر في بناء بعض الأقواس، وتم تقوية عضاضات الأبواب بإطار من الخشب.
يتوسط القصر فناء طوله نحو 31م، تحيط به أروقة بعمق 3,80م، فيه بئر ماء مبني من الحجارة البازلتية. تطل على الفناء مجموعة من القاعات، كشف في الجناح الجنوبي 11 منها، عرض بعضها نحو 12م, في حين تم تبليط أرضيات الفناء والأروقة وممر المدخل بالحجارة المنحوتة.
كان القصر في بعض أجزائه الخارجية مليساً بالجص، ومن الداخل وجدت بقايا زخارف على الأجزاء السفلى من الجدران وخاصة القاعات، حيث نفذت زخرفة نباتية بألوان سوداء أو حمراء أو رمادية، تحمل مشاهد متنوعة. كما عثر في الأجزاء العليا من برج الدخول، على قطعة زخرفية باللون الأسود نفذت على أرضية بيضاء تتضمن أية قرآنية.
عثر في بعض قاعات القصر على مسارج فخارية «بيزنطي متأخر» وبعض قطع العاج المزخرف وقطع نقدية تعود إلى العصر الأموي والعصور اللاحقة له.

النقوش:
عثر في الموقع على 106 نقشاً من الحجر البازلتي، عليها رسوم وكتابات صفائية، ويونانية، وعربية كتبت بالخط الكوفي البسيط، وقد نفذت بشكل عفوي بطريقة النقر الخفيف, وبعضها حفر بشيء من العمق، وهي تمثل صور حيوانات وأشخاص بأوضاع مختلفة, وتقدم فكرة عن أحوال الناس الذين عاشوا في هذه المنطقة منذ القرن الثاني حتى الثامن بعد الميلاد، ولاسيما أولئك الذين عاشوا في القصر خلال العصر الأموي، أو الذين ترددوا على الموقع لبعض الوقت كرجال القوافل التجارية. وقد ورد في الكتابات40 اسماً تتضمن أسماء عدد من الأمراء الأمويين، وأفراد الحاشية, والأطباء والمربيّن والعبيد والموالي.


ولقد أثبتت الدراسات أن تاريخ السكن في جبل أسيس يعود إلى فترة ما قبل الاسلام.

وفي العصر الأموي قام الوليد الأول «حكم بين 86- 96هـ، 705 – 715م» بإشادة مجمع عمراني فيه يضم قصراً ومنتزها صحراوياً له ولأفرد عائلته كما يتبين من أسماء أولاده. ومن خلال مقارنة هذا القصر مع العمارة المعروفة زمن الأمويين يلاحظ، أن مخطط القصر وأبراجه تشبه الكثير من الأبنية الأموية، ومنها خربة المنية وفي حوران والرصافة. فأبعاد القصر قريبة من أبعاد المبنى الصغير في قصر الحير الشرقي، حيث بلغ طول الجدار نحو66م، وسماكة الجدران 2م.

أما بالنسبة للفناء فإن معظم قصور الأمويين كانت ذات أفنية مع أروقة أعمدة, ويمكن مقارنة أسيس بقصر المنية وقصر عنجر، حيث وجد الفناء وحوله الأروقة. كما أن النوافذ ودعائم الأبواب لها مثيل في الكثير من العمارة الأموية ومنها قصر المفجر.

أما من ناحية مواد البناء، فيلاحظ أن استعمال البازلت والإتقان الدقيق لنحت الأحجار، كما يظهر جلياً في برج الدخول، يشبه بشكل أكيد العمارة البازلتية في منطقة بصرى وحوران، ولاسيما قصر برقع «في الأردن» الذي بناه الوليد الأول علم 81هـ 700م وكان أميراً آنذاك. إذ أن برج برقع يشابه برج الدخول في أسيس، من حيث استخدام الحجر المنحوت جداً والقوس المدبب نفسه وتساوي بعض المداميك في كتلة البازلت الخام مع مداميك الأحجار المنحوتة جيداً.
أما من ناحية استخدام الأجر المشوي، فثمة تشابه بين قصر أسيس، وقصور كل من: الحير الغربي، والمبنى الصغير في قصر الحير الشرقي, والرصافة والمشتى والطوبة, وخربة المفجر. ويلاحظ أيضاً وجود تشابه في بعض عناصر البناء مع النماذج الساسانية، وهو يدل على التأثر الكبير للثقافة الساسانية على الأمويين، وربما كان بين نساء الوليد الأول أميرة ساسانية، غنيمة من فتح العراق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بعض المواقع الأثرية المنسية في البادية السورية

· الصفا: مرتفعات بركانية في جنوب سورية شرقي اللجاة، ترقى للعصر الكلاسيكي، اكتشفت فيها نقوش وكتابات صفوية ويونانية وآثار رومانية. وقد ورد ا...