بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 27 سبتمبر 2017

جزيرة أرواد



•قامت مدينة أرواد السورية على جزيرة تحمل الاسم نفسه، وتتمتع بتاريخ عريق. وتقع الجزيرة أمام السواحل الشرقية للبحر الأبيض المتوسط، قبالة البر السوري وعلى بعد 4150 متراً جنوب غرب مدينة طرطوس، وعلى بعد 2450 متر عن خط الساحل السوري. 
•وتتكون الجزيرة من توضعات طينية حديثة تعود للحقب الجيولوجي الرابع تغطي صخوراً رملية تعرف بحجر "الرملة"، وترسم هذه الصخور عند التقائها بالبحر شرفات وجروفاً ساحلية ويمتد لسانان صغيران على طرفي الجزيرة. وتحيط بالجزيرة مجموعة صغيرة من الجزر يسمين "بنات أرواد".
•أما سكان الجزيرة فهم من أحفاد الفينيقيين الذين اعتنقوا الإسلام، ويعتقد أنهم في الأصل من مدينة صيدا.
•لقد تعرضت أرواد للغزو عدة مرات خلال تاريخها الطويل، ومع ذلك حافظ السكان على أصالتهم عشرات القرون. ولأبناء أرواد شهرة واسعة في العمل البحري وهم مفضلون لمهارتهم وصبرهم. وقد مرت الجزيرة بحالات مختلفة في تاريخها الطويل منذ القرن الخامس عشر قبل الميلاد حتى اليوم، وأجلي سكانها عنها قرابة عام خلال الحرب العالمية الأولى وقصفها الألمان عام 1917، لتحولها إلى قاعدة فرنسية منذ أيلول 1915.
•أما تسمية أرواد فنجد أنها باليونانية (أرادوس Arados) وبالفينيقية آراد وتعني الملجأ. وهناك عدة أماكن تحمل نفس التسمية أمام الساحل الفلسطيني وفي الخليج العربي وبالقرب من جزيرة كريت، إلا أن كل الدلائل تشير إلى أن مؤسسي هذه الأماكن كانوا من الفينيقيين وبالتالي تعزز معنى الاسم وهو "ملجأ الهاربين”
وقد كانت الجزيرة مسكونة منذ زمن بعيد، لكن استمرار السكن على هذه المساحة الضيقة لم يسمح بالعثور على دلائل هذا الماضي البعيد لأن أرضها صخرية ومن دون طبقات، كما أن أبنيتها مكتظة تعيق أية عملية تنقيب، وقد وجدت شواهد على الاستيطان الإنساني على اليابسة تعود إلى العصر الحجري الحديث (النيوليتيك) والمتوسط (الميزوليتيك


•لقد كانت أرواد مدينة مزدهرة منذ الألف الثاني قبل الميلاد، ثم وقعت تحت نفوذ صور، إلا أنها استقلت عنها وأخذت تنمو وتزدهر وتمتد لتؤسس مستعمرات وتنشئ مدناً على الشاطئ لضرورات اقتصادية ودينية ودفاعية وسميت هذه المستعمرات أيضاً بنات أرواد. وقد توغل الأرواديون في الداخل فأقاموا معابداً وقلاعاً كهيكل (بيتوخيخي)، و(سيجون)، وأسهموا في تأسيس مدينة طروادة وانترادوس (وهي طرطوس الحالية) وعمريت. وقد ورد ذكر أرواد في رسائل تل العمارنة وفي حوليات ملوك آشور والنقوش الفينيقية.
•احتل سرجون الأول مؤسس الدولة الأكادية أرواد (خلال النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد). ثم اشتركت الجزيرة مع الحثيين في حربهم ضد المصريين في معركة قادش (القرن الثالث عشر قبل الميلاد). وعندما أغارت شعوب البحر على أوغاريت، كانت أرواد أوفر حظاً، إذ نجت من الغزو، وأصبحت من أبرز المدن على الساحل. إلا أنها خضعت للملك الآشوري تغلات بلاصر الأول ثم آشور ناصربال. غير أن الأرواديين استردوا معنوياتهم واتحدوا مع ملوك سورية الآراميين عام 854 ق.م ليحاربوا جيش شلمانصر الثالث الذي تمكن فيما بعد من فرض الغرامات على أرواد. وفي عام 727 ق.م استعان شلمانصر الخامس بأسطول أرواد. وفي عام 650 ق.م أعلن ملك أرواد الخضوع لآشور بانيبال ملك آشور. وفي عام 604 دخلت في نفوذ نبوخذ نصّر الكلداني.


•وفي عام 539 ق.م أصبحت أرواد جزءاً من الإمبراطورية الأخمينية الفارسية وغدت الولاية الخامسة، وسمح لها بممارسة الحكم الذاتي ودفعت بأسطولها إلى جانب الفرس في حربهم ضد الأثينيين في معركة سلاميس عام 480 ق.م. وعند غزو الاسكندر المقدوني البلاد عام 333 ق.م. قدمت أرواد الخضوع له لكنه لم يغزُ الجزيرة بل أعطاها استقلالاً ذاتياً، وأخذت أرواد تسك النقود باسم الاسكندر.

•كان لأرواد شأن مهم في النزاع بين البطالمة والسلوقيين لهذا منحها أنطيوخوس الثاني استقلالها ليضمن مساعدة بحريتها وتمتعت وقتها بامتيازات المدينة الحرة. واعتبر العام 259 ق.م نقطة بدء التأريخ لديها. وتدخل الأرواديون في نزاع السلوقيين بين بعضهم حيث وقفوا إلى جانب سلوقس الثاني، واضطر أنطيوخيوس الرابع إلى إخضاعهم بعد مقاومة، ثم تحالف معهم. وأعاد أنطيوخيوس السابع إلى أرواد حريتها ليكسب مساعدتها،.
•وبصورة عامة كان لأرواد نفوذ عظيم على طول سواحل سورية.
•وفي عام 64 ق.م احتل الرومان بقيادة القائد الروماني بومبيوس سورية، إلا أن أرواد حافظت على استقلالها النسبي، وأيدت القائد الروماني بومبيوس عند خلافه مع قيصر، واستخفت بعملاء أنطونيوس ورفضت دفع الجزية إلا أن المجاعة التي نتجت عن الحصار دفعتها إلى الاستسلام. واحتفظت أرواد في تلك الآونة بمؤسساتها الهيلنستية وكانت الوحيدة التي حافظت على حريتها. إلا أنها أخذت تخبو وتضعف، وبدأ نجم المدينة المقابلة انترادوس (طرطوس) بالتألق ليأخذ مكانها. ومن الجدير بالذكر أن القديس بولس وصل أرواد وهو في طريقه إلى روما وأعجب بتماثيلها وبشر سكانها بالدين المسيحي. 
•لم تدخل أرواد الفتح العربي مع سورية بل بقيت قاعدة بحرية بيزنطية إلى أن قرر معاوية بن أبي سفيان فتحها وتم له ذلك عام 45 هـ/ 676م. ولكن الجزيرة أعيد استخدامها كقاعدة بحرية لأساطيل الدول الإيطالية في حقبة الغزو الفرنجي واستقر فيها فرسان الهيكل فزادوا من تحصينها، وأصبحت الجزيرة المركز الرئيسي ليعقوب الطرطوسي للإغارة على الساحل بين وقت وآخر إلى أن حررها قائد الأسطول سيف الدين كهرداش الرزاق المنصوري في أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون عام 702 هـ/ 1302م ودمرت أسوارها في الصراع.
•بعد ذلك تناوب على أرواد المماليك ثم أهملت. وأتى العثمانيون وحسنوا في قلعتها زمن السلطان سليمان القانوني، وشيد فيها حصنان صغيران، وتم نقل إليها السكان من قلعتي المرقب وصلاح الدين وخصصت لهم رواتب وحصلت بينهم مناوشات وبين قراصنة البحر وأسروا بعضاً منهم.
•وفي الحرب العالمية الأولى نزلت فيها البحرية الفرنسية وأخضعتها لفرنسا عام 1915م حيث أصبحت تمهر فيها المعاملات بخاتم حكومة أرواد، قبل أن يتم ضمها إلى سورية بعد معاهدة سايكس-بيكو، وقد جعلت فرنسا قلعتها معتقلاً للأحرار والرجالات الوطنيين إبان فترة الاحتلال الفرنسي الذي انتهى عام 1946.

متحف أرواد



•موقع المتحف:
•ضمن قلعة أرواد الأثرية التي تتوسط جزيرة أرواد، والتي يعود تاريخها إلى النصف الثاني من القرن الثاني عشر الميلادي، وتضم آثار صليبية ومملوكية وعثمانية.
•يُعرض في المتحف لوحات فسيفساء، قواعد تماثيل حجرية نقش عليها نصوص لاتينية، أمفورات فخارية، أجزاء تماثيل نذرية، برونزيات مختلفة، نمازج مراكب شراعية، نحاسيات تقليدية، صدفيات بحرية نادرة، أدوات صيد بحري.

أقسام المتحف
•قسم الآثار:
يضم هذا القسم 22 خزانة موزعة في عدد من القاعات المنفصلة عن بعضها البعض، وقد تمّ توزيع المعروضات فيها حسب المواقع الجغرافية التابعة للجزيرة تاريخياً.
•قاعتان لمكتشفات أرواد:
تحوي آثاراً من الفترة الإغريقية والرومانية والبيزنطية: جرار، صحون فخارية، أباريق، قمع فخاري، كانت قد وُجدت في الجزيرة وفي المياه الإقليمية السورية وهي مختلفة الأشكال والأحجام يعلو بعضها طبقة من الترسبات الكلسية أكسبتها شكلاً جميلاً.



•قاعتان لموقع عمريت:

يقع هذا الموقع جنوب طرطوس على بعد حوالي 3كم مقابل أرواد، وقد ازدهر خلال القرنين الرابع عشر والثالث عشر قبل الميلاد. تضم هاتان القاعتان مجموعة من الآثار الحجرية والفخارية تعود إلى عهود مختلفة: لوحات فسيفساء، أواني فخارية مختلفة، أجزاء تماثيل حجرية نذريه، نقود.

•قاعتان لآثار تل كزل:
يقع هذا الموقع جنوب طرطوس على بعد حوالي 18كم على نهر الأبرش، ويُعتبر من أكبر التلال الأثرية الواقعة في فجوة حمص، والذي كان له صلة بأرواد خلال الألف الأول قبل الميلاد. تضم القاعتان آثاراً من العصر البرونزي الحديث وقطع من الفترة الهيلنستية والرومانية والبيزنطية وفخار مسيني وقبرصي بأشكال وإحجام مختلفة: سرج، أباريق، دماعات، أدوات برونزية، جِرار.

•قاعتان للتنقيبات البحرية:
تضم مجموعةً كبيرة من الامفورات الفخارية التي تعود إلى القرن الثالث عشر، وهي منتشلة من سفينة غارقة في البحر قبالة الشاطئ المهجور من قبل البعثة السورية-اليابانية المشتركة؛ كما تضمان مجموعة من الآثار الحجرية المختلفة المعروضة في حديقة المتحف

•قاعة النقود: تضم مجموعة من القطع النقدية البرونزية من الفترة الرومانية والبيزنطية والإسلامية بالإضافة لمجموعة من القطع البرونزية (مشابك – مخارز – أساور – خواتم).




•قسم التقاليد الشعبية:
يضم ما يتعلق بالحياة الاجتماعية لسكان الجزيرة في 19 خزانة موزعة في عدد من القاعات:
1_ قاعتان للنحاسيات التقليدية:
وتضمان مجموعةً مختلفة الأشكال من الأدوات النحاسية التي تستخدم لأغراض منزلية مختلفة: صحون، قدور، مصبات قهوة، كؤوس، طاسات حمام، عدة تزيين.
2_ قاعة الصدفيات البحرية:
وتحوي مجموعة مختلفة الأشكال والأحجام من الأصداف البحرية الجميلة والنادرة.
3_ قاعة المراكب:
وتضم نماذجَ لمراكب شراعية بأنواعها المختلفة: السكونا، الغيظ، الكيك، الفلوكة؛ والتي استخدمت من قبل أهالي الجزيرة حتى عهد قريب وهي من صنع محلي.
4_ قاعة الصيد البحري:
وتضم مجموعة من أدوات الصيد التي استخدمها الصياد الأروادي، والتي تبين طرق صيد السمك والإسفنج: شباك صيد، صنارات، أجهزة غطس، بنادق صيد بحرية، إسفنج بحري.

5_قاعة الفن الحديث:وتضم مجموعة من اللوحات الزيتية والمائية التي تصور الحياة الاجتماعية لسكان الجزر.

أهم القطع التي تم العثور عليها في أرواد

1- قمع فخاري مثقوب في أسفله له شفة سميكة بارزة نحو الخارج ومزين بخطوط دائرية طفيفة وعليه بقايا ترسبات بحرية، وقد استخدم هذا القمع في استخراج المياه العذبة من قاع البحر خلال فترات تاريخية مختلفة، حيث كان يوضع القمع فوق فوهة النبع الفوار في قاع البحر على أعماق قليلة، ويتم رفع المياه إلى السطح بواسطة أنابيب نحاسية أو جلدية ليتم إيصالها إلى الجزيرة بواسطة القوارب أو الأنابيب إن كانت قريبة من الشاطئ


2- قاعدة تمثال من الحجر البازلتي ارتفاعها 84سم نقش عليها نص لاتيني موضوعه حربي، وهذا التمثال مقدم من مجلس الشيوخ والشعب لأهالي مدينة أرواد
3- لوحة فسيفساء طولها 192سم وعرضها 142سم وُجدت في موقع عمريت، تمثل رأساً لربة يعلوها كتابة لاتينية، ومحاطة بإطار من التشكيلات الهندسية، وقد نفِّذت اللوحة بعدة ألوان. ويوجد أسفل الصورة كتابة لاتينية مضمونها "لا تكن مستغِلاً لقوتك".


4- تمثال من الحجر الرملي ارتفاعه 29سم وُجد أيضاً في عمريت، يمثل طفلاً بحالة الجلوس تنثني رجله اليسرى إلى الأمام، أما اليمنى فتنثني أمام الجزع، واضعاً يده اليمنى على ركبته واليسرى منسدلة ممدودة حتى القاعدة.
5- نموذج مركب شراعي من صنع أهالي المنطقة، ذو ثلاث صواري. وهو من نوع السكونا، كان يستخدم منذ فترة طويلة وحنى عهد قريب للأعمال التجارية لنقل البضائع بالعلاقات التجارية التي كانت تتم بين أهالي المنطقة ودول حوض البحر الأبيض المتوسط

"ولا بد من أن نذكر اكتشاف أقدم تمثال من الطين مكتشف في سورية في موقع جزيرة أرواد محفوظ في متحف دمشق".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بعض المواقع الأثرية المنسية في البادية السورية

· الصفا: مرتفعات بركانية في جنوب سورية شرقي اللجاة، ترقى للعصر الكلاسيكي، اكتشفت فيها نقوش وكتابات صفوية ويونانية وآثار رومانية. وقد ورد ا...